عمّان- ضمن زيارات أعقدها وزميلتي نطرح أسئلة عديدة حول مفهوم الديمومة والممارسات التي ترتبط بها من وجهة نظر الفنانين والحرفيين والممارسين الثقافيين، ونأمل من خلالها للوصول لصورة محتملة قد تكون أكثر وضوحا حول واقعية وسهولة تحول الممارسين الثقافيين لممارسات أكثر استدامة خلال عملهم
بتوصيات متكررة من الأصدقاء والصديقات، وفي نهاية أسبوع حارة توجهنا لعراق الأمير، بلدة تقبع هادئة جنوب غرب عمّان، لكن خلف هدوئها صخب لتاريخ وحضارة وطبيعة فريدة من نوعها
في عراق الأمير جمعية تعاونية تديرها سيدات من المنطقة، وما يمنحها تميزاً بنظري هو كونها تعتمد في إنتاجها على 3 مشاغل حرف يدوية بشكل أساسي، تُنتج السيدات من خلالها عدد من المنتجات الحرفية والفنية ضمن ممارسات قد نعتبر بعضها مُستداماً، وممارسات أخرى ساعدتنا على رصد معوقات عديدة تقف في وجه الديمومة ضمن نشاطات الجمعية، والتي قد تُعمم وتُطبق على ممارسات فنية أو حرفية أخرى
“جمعية سيدات عراق الأمير” تأسست عام 1993م، حيث قامت مؤسسة نور الحسين باستئجار مبان قديمة وترميمها وأنشئت فيها عدد من المشاغل، كمشغل الورق والنسيج والخزف (والتي سنعرض نبذة عن اثنان منها هنا)، كما قامت بتدريب فتيات المنطقة على كيفية العمل ضمن هذه المشاغل، ليصبحن هؤلاء الفتيات اليوم سيدات يُدرن هذه الجمعية ويُقمن على كل نشاطاتها بكفاءة وحرفية عالية
مشغل النسيج
يتضمن المشغل آلات متعددة للنسج والحياكة، تُمكن السيدات من إنتاج قطع ومنسوجات بمواد متعدد ولأغراض متعدد كذلك، وكما أفادت السيدات فإن العمل على هذه الآلات قد بدأ مع بداية الجميعة في بداية التسعينات، إلا أن العمل والتدريب أصبح أكثر بُطئا في السنوات الأخيرة، و ذلك بسبب تلف قطعة أساسية في واحد من الآلات، وتواجه السيدات صعوبة في تحصيلها بحكم أن الآلة مستوردة من الصين وليست محلية
أما فيما يتعلق بالخيوط التي يتم استعمالها فهي خيوط مستوردة في غالبها ويتم شراءها من وسط البلد في عمّان أو من منطقة سحاب. وحين سؤالنا عن إذا ما كانت السيدات يغزلن خيوطهن بأنفسهن أكدن بأنهن لا يمارسن الغزل على طريقة جداتهن (الطريقة التقليدية) وإنما فقط باستعمال هذه الماكينات. مما يضع تساؤلات حول استدامة الممارسة عموما في ظل تبني ممارسات فنية غير أصلية على حساب الممارسات الأصلية، بالإضافة إلى تساؤلات إضافية أخرى حول موضوعنا الأساسي-وهو الديمومة البيئية- وعن ضرورة استعمال خيوط مستوردة لا نعرف ظروف تصنيعها أو صبغها، مع الأخذ بعين الاعتبار البصمة الكربونية التي قد تتركها العملية كاملة
مشغل الورق
يتضمن المشغل ممارستين أساسيتين، وهما
صناعة الورق من مواد طبيعية كقشور الموز، البامية، القصب، وغيرها من المواد. والتي تقوم السيدات بشكل أساسي بتجميعها في أحواض مخصصة وإضافة مواد أخرى لها وضغطها في بشكل متكرر باستعمال ماكينات يدوية، لتنتهي العملية الطويلة ذات الخطوات المتعددة بإنتاج مجموعة من الأوراق، تمتلك كل منها خصائص مختلفة بناءا على اختلاف نوع المادة الأساسية المُستعملة
إعادة تدوير الورق المُستعمل مُسبقا، وتحويله لصحون ورقة أو أكياس أو إطارات صور ورقية، ملونة بمواد طبيعية كالسماق والورد والكركم والقهوة
تعتبر هذه الممارسة في ممارسة مستحدثة وجديدة من نوعها وليست ممارسة حرفية تقليدية أو فن أصيل، ولكن يمكن اعتبارها ممارسة مستدامة في مجملها، بحيث تعتمد بشكل أساسي على المواد الطبيعية والعمل اليدوي من دون الحاجة لاستهلاك أي آلات كهربائية على سبيل المثال