عمّان – عند دخولك مشغل الفنان غسان مفاضلة في عمّان سترى ما لا يعد ولا يحصى من المواد والقطع التي قد نراها بلا أي جدوى أو أي دواعي استعمال، لكن للفنان رأي آخر
فيعتمد مفاضلة بشكل أساسي في عمله على إعادة توظيف القطع المهملة ليصنع منها أعمال فنية إنشائية ومنحوتات. كان لقاؤنا بالفنان ضمن سياق لقاءات فريقنا مع مجموعة من الفنانين.. ما أثار فضولي اتجاه عمله غير المألوف! فلم أعتد شخصيا على هذا النمط من الأعمال الفنية التي تعتمد على مجموعة عشوائية من المواد (كالأسلاك وقطع الحديد والبلاستيك وحتى المخلفات الإلكترونية) والتي يعيد الفنان تركيبها واستخدامها وإنتاجها
طالت أسئلتنا الفضولية كل ما عمل به الفنان من مواد، بالإضافة لدوافعه حول التوجه لهذا النوع من العمل وآراءه حول الاستدامة بالممارسة الفنية والحياة عموما
حول ممارسته وتفاعل المجتمع
بدأ مفاضلة العمل بالقطع الهملة وذلك بعد ممارسته للفن والرسم بمواد معتادة لسنوات، وقد بدأ العمل بهذه الطريقة ولم يكن يحمل الديمومة -بمفهومها الدارج- في اعتباره، بل كان يعمل بشكل أساسي بدافع فضوله لما يمكن أن تخلقه الخردة والمهملات وإمكانية تحويلها لمشهد بصري جمالي، كما وضع في اعتباره غاية أخرى أراد تحقيقها وهي جعل الناس أقرب من الأعمال الفنية، فهو يؤمن بأن العمل الفني يحمل قيمة أكبر في عيون الناس حين يعتمد على أشياء وقطع يرونها يستعملونها في حياتهم اليومية. والتي قد تثير فضول البعض للالتفات لها والتساؤل حولها، بل وقد يستهجنها البعض الآخر لعدم فهمها أحيانا. وبهذا يكون العمل قد خلق فرصة اتصال حتمي بينه وبين والناس من حوله، حتى وإن كانوا لا يمتلكون أي خلفية حول الفن أو استعداد لتلقيه
يُعرض عدد كبير من أعمال الفنان في الأماكن العامة كالدواوير والميادين في كل من عمّان والطفيلة وجرش وعجلون وغيرها، وقد أكد الفنان على أنه لا يتوقع أن يكون التفاعل إيجابي دوما من العوام -على الرغم من أن هذا النوع هو الذي يغلب- إلا أن للتفاعل السلبي حضور كذلك، فالبعض يثير العمل استغرابه ولا يتقبله، والبعض الآخر قد لا ينظر للعمل الفني كعمل فني أساسا، بل ينظر له كمجموعة من القطع التي يمكنه الاستفادة منها وبيعها بسوق الخردة، فيعطي لنفسه الحق في ذلك فعلا! وقد سبق وأن قام أفراد بتفكيك قطع من أعمال فنية معروضة أماكن عامة بدافع الاستفادة الشخصية
وضمن ذات السياق يشير الفنان إلى أهمية تفهم هذا الموقف من المتلقين في الأماكن العامة، وضرورة الوعي والتوعية حول الفن والأعمال الفنية، ويكون ذلك بالبدء بالعمل على خلق هذه الفرص للأطفال بالدرجة الأولى، ومساعدتهم على خلق عمل إبداعي من مواد من حولهم، وهي طريقة لمساعدة هؤلاء اليافعين لمعرفة قيمة الأشياء وتقدير مصيرها من إتلاف أو إعادة استخدام بشكل أفضل، بالإضافة -بالتأكيد- لتعزيز الجانب الإبداعي لديهم، فالطفل من خلال هذه الطريقة يتعلم تحويل المادة من حالة لحالة أخرى، ويخرج بها من سياق ليضعها في سياق فني يحمل في طياته احتمالات جمالية مختلفة
نظرة أقرب على الأعمال
يجمع الفنان مواد أعماله من أماكن مختلفة ويشتري بعضها من بائعي الخردة، ولكنه لا يستعملها فور امتلاكها، بل يتركها على مرأى بصره لفترات طويلة قد تمتد لأشهر وسنوات في بعض الأحيان، فوجود هذه المواد في الاستوديو -حسب الفنان- يعمل على خلق نوع من الألفة بين هذه القطع وبينه، وتسمح له بالارتباط بهذه المواد بطرق مختلفة مما يخلق في خياله احتملات لاستعمالها وتوظيفها ضمن ممارسته وأعماله