نبات الليف كمادة أساسية لإنتاج عمل فني: تجربة الحرفي ابراهيم الفار

25/07/2022

عمّان- في واحد من مشاويري المتكررة لجبل اللويبدة، وخلال يوم مزدحم سريع أحاول فيه إنجاز عدد من المهام العالقة، مررت مسرعة بجانب مشغل إبراهيم الفار، الواقع في شارع ضرار بن الأزور تحديدا، لتثير انتباهي مجموعات كبيرة من “الليّف” الموزعة في المكان بأشكال وألوان مختلفة، قلل المشهد من سرعة إيقاع اليوم، ودعاني للاطلاع على المزيد حول الاستعمال غير المألوف لهذه المادة الطبيعية التي عادة ما نستعملها في بيوتنا لغايات عديدة.

الليف نبات طبيعي، يحمل اسم (اللوف) أحيانا، ويُعتبر من صنف القرعيات الذي ينتمي له القرع والفقوس والخيار وغيرها.. نبتة جميلة من حيث المظهر، يؤكل في المرحلة الأولى من نموه كثمرة، ولكنه حين ينمو ويكبر فتقسو أليافه الداخلية بحيث تتحول للمادة التي يستعملها الفنان في عمله، وهي ذاتها المادة التي تُسوق كمُنتج يُستعمل لاستعمالات نظافة شخصية عديدة

أما عن إبراهيم الفار فهو فنان وحرفي يعمل منذ التسعينات في إعادة التدوير بشكل عام، إلى أن تعثر بالليف كمادة في العام 2008، وبدأ رحلة في البحث والتجريب حول كيفية ابتكار قطع وأعمال فنية باستعمال الليف كمادة أساسية. انقل هنا دردشتي السريعة مع إبراهيم الفار حول ممارسته

الفنان ابراهيم الفار في مشغله

كيف بدأت تجربتك الحرفية هذه؟

أعمل في إعادة التدوير منذ سنوات طويلة، وقد ساعدتني إعادة التدوير على أن اتعلم كيفية استعمال المواد المتاحة بطُرق غير تقليدية والتفكير دوما بكيفية إعادة تشكيل الأشياء وإعطاءها وظيفة جديدة، غالبا ما تكون جمالية. وقد اكتشفت مادة الليف بالصدفة البحتة، عندما رأيت قطعة ما في مكان ما وبشكل عشوائي وكأنّي أراها للمرة الأولى.. لفتتني غرابة الملمس وشكل التفاصيل، ودفعني فضولي لاستكشافها أكثر وطرح تساؤولات حول تحولها المستمر، وتغيير حالتها من الصلابة للّين بتفاعلها مع الماء. وما أثار استغرابي أكثر هو كيفية عودتها لحالتها الطبيعية بعد جفافها.

ماهو سبب توجهك لهذه المادة وتخصصك بالعمل بها، خصوصا بعد عملك لسنوات في إعادة التدوير؟

لم يكن هناك سبب محدد، فالفضول قادني لاستكشاف هذه المادة! كما أنني أدركت -في مرحلة ما- بأن إعادة التدوير لتحقق الفائدة والجدوى منها يجب أن تتم بطريقة مدروسة وصحيحة، وقد تحتاج لأشخاص باختصاصات معينة بمعامل كيميائية معينة ومختبرات ودراسات علمية ربما، بحيث نتمكن من تغيير خصائص المادة المُضرة بالبيئة والتي لا تتحلل في الطبيعة، فانتقلت لها كمادة طبيعية بحد ذاتها، وصديقة للبيئة بطبيعة الحال، فأنا مُدرك بأنني بالنهاية حرفي وفنان ولست متخصص كيميائي على سبيل المثال

لماذا نبات الليف تحديدا؟

شكلها المميز والمختلف، وحقيقة أن لا قطعة تُشبه الأخرى، فلكل نبتة ليف نسيج وتشعبات مختلفة تماما عن الأخرى، مما يجعلها فريدة من نوعها، بالإضافة لسهولة تشكيلها وتغيير شكلها وتفاعلها المستمر مع العديد من المواد الاخرى. وفي الحقيقة قد أثار استغرابي كونها غير مُستعملة من قِبل الفنانين والفنانات من قبل

من أعمال الفنان ابراهيم الفار

ما هي الصعوبات التي واجهتها بالتعامل مع المادة؟

تفاعلها السهل ع العديد من المواد كان نقطة إيجابية وسلبية في ذات الوقت. فقد ساعدني ذلك على تشكيلها وتطويعها لتناسب تصميم القطع في مخيلتي، ولكن تفاعلها مع الماء –على وجه التحديد- لم يُسهل العملية عليّ أبدا. مادة الليف تتضخم إذا لامسها الماء، وبالتالي فإن القطع الفنية الناتجة يجب أن تُحفظ في أماكن لا تُعرضها لأي نوع رطوبة، كما أن تنظيفها قد يكون صعب بحيث يُتلف القطعة أحيانا. وقادني ذلك لثلاث سنوات من التجارب لابتكار مادة عازلة

ماذا عن هذه المواد العازلة، هل هي مواد طبيعية كذلك؟

بعد سنوات من البحث والتجربة، تم ابتكار مادة تحافظ على ثبات الليف وتعزله عن الماء والرطوبة، وهي ليست مواد طبيعية بحد ذاتها، ولكنها على الأقل لا تتضمن مواد تبقى لسنوات في التربة أو في الطبيعة، كما أنه يتم استعمالها بكميات قليلة جدا، وما زالت تجاربي في هذا الجانب قائمة

من أعمال الفنان ابراهيم الفار

ما هو مصدر نبات الليف؟ وهل يُزرع في الأردن؟

زُرع من قبل في الكرك ومعان والغور ومناطق أُخرى، ولم تستمر زراعته لعدم نجاحه على مستوى اقتصادي، أو قد يكون السبب انه لم يتم الاستثمار به بصورة حقيقة. ومن الجدير بالذكر بأن الزراعة والمتابعة لإنتاج ثمرة يتطلب حرارة عالية ورطوبة عالية جدا كذلك. حاليا يتم استيرادها من مصر، حيث تُرزع في الصعيد، وتُعتبر مصر من أهم الدول المُصدرة لها في العالم. كما يتم استيراد كميات محدودة من شرق آسيا، تكون أكثر صلابة من الصنف المصري ولها استخدامات خاصة.

يؤكد إبراهيم الفار على استمتاعه بالعمل في هذه المادة الحية التي تتفاعل مع وتفرض نفسها وطريقتها في العمل، كما يؤكد على شعوره بالرضا اتجاه اعتماده مادة طبيعية بشكل أساسي في أعماله، ويسعى لتقريب هذا النوع من الفن للناس من خلال تسويق فكرة الابتكار والتفكير خارج الصندوق عند استعمال المواد من حولنا. ويُنتج الفار قطع فنية في مشغله البسيط، كقطع إنارة ومرايا بأشكال مختلفة، وتُحف فنية للديكور الداخلي بالإضافة إلى لوحات فنية بالتعاون مع أصدقاءه من الرسامين، وأن الباب مفتوح –حسب رأيه- لتطويع المادة للمزيد من الابتكارات الخلاقة

تابعوا

Follow

سارة الرمحي
Sara Al Ramahi

ابراهيم الفار
Ibrahim Al Far