عمّان – بالحديث مع الفنانين والفنانات حول الاستدامة والفنون نتقاطع باستمرار مع مفاهيم عديدة أخرى، ترتبط بالاستعمار والعولمة وتساؤلات حول أهمية “الاستدامة” كقضية بالنظر لقضايا محلية أخرى قد تكون أكثر إلحاحا.. وواحدة من هذه القضايا التي تكرر ظهورها والحديث عنها هي المادة من حيث إنتاجها واستهلاكها، والقدرة على الإنتاج المحلي مقابل الاستيراد، وربطه -بشكل أو بآخر- بالاستعمار والاعتمادية الحالية لأغلب الفنانين والفنانات على مواد فنية مستوردة
لطالما أثار هذا الموضوع اهتمامي وفضولي، كما أثار لدي العديد من الأسئلة حول الدور الذي قد تلعبه المواد التي نستعملها لإنتاج فننا بتجذر أعمالنا الفنية بالأرض، وارتباط فننا بقضايا مجتمعاتنا المحلية بما يتجاوز الموضوع، ليصل للمواد المستعملة كذلك
كنت قد سلطت الضوء مسبقا على الطين المحلي والمستورد، بالإضافة إلى نموذج لاستعمال الخردة والمواد المهملة من البيئة المحلية وتوظيفها جماليا لإنتاج أعمال فنية، وأضيف اليوم من خلال هذه المدونة تأملات إضافية حول إمكانية تصنيع وإنتاج ألوان ومواد فنية محلية، وهو الموضوع الذي قادنا له حديث حول سُمية خطورة بعض المواد -كالرصاص وأصناف معينة من الألوان الزيتية والمواد النفطية- التي يتعرض لها الفنانين والفنانات بشكل مستمر مما قد يهدد سلامتهم العامة
حدثنا الفنان د.حسني أبو كريم عن تساؤلاته الشخصية -واستغرابه ربما- من عدم وجود علامة تجارية تصنع الألوان بالأردن،وإبقائنا على الاستهلاك كحالة اعتيادية وأساسية اتجاه مواد الفن ويأتي استغرابه هذا من كون الطبيعة في الأردن متنوعة وتسمح بإنتاج أصباغ من موارد عديدة طبيعية، بحسب د.حسني فإن الصخور في الأردن متنوعة ومختلفة الألوان والأشكال، من عمّان إلى العقبة مرورا بكل المحافظات! الأمر الذي يتيح إنتاج مواد خام وفيرة يمكن التعامل معها لاستخراج وتصنيع الألوان الأساسية. والأمر لا يقتصر على الصخور فقط بل على التربة كذلك، والتي من الممكن أن تنتج ألوان مميزة وفريدة من نوعها وأطياف واسعة من الدرجات الدافئة والباردة. ومن الجدير بالذكر بأن هذه الأصباغ التي تؤخذ من التربة مباشرة هي فرصة لصنع أفضل أنواع الألوان وذلك لكونها أكاسيد حديدية صرفة
إن إمكانية تصنيع وإنتاج مواد فنية محلية قد يرتبط بشكل أساسي برغبة مُلحة للتخلي عن حالة الاعتمادية والاستيراد الخارجي والاستهلاك، والتي بدورها سترتبط بالتأكيد بضرورة محاولة التعامل مع المواد الفنية كمواد حية وكمورد محلي يرتبط بالأرض وليست مجرد وسيلة لإنتاج عمل فني فقط. ومما لا شك فيه بأن خطوة في هذا الاتجاه تتطلب طرح مواد جامعية تُعلم طلبة الفنون كيمياء اللون والمادة عموماً، وتفاصيل أكثر حول مصادر وأنواع المواد التي يستعملونها، ومن الممكن مواد تعليمية إضافية أخرى تُعطي الطلبة/ـات والفنانين/ـات الناشئين/ـات فرصة ممارسة فنية باستعمال مواد من مجتمعاتهم المحلية
وننظر هنا بإعجاب لتجربة سابقة خاضها مجموعة من الفنانين الفلسطينيين الرواد في فترة الثمانينات، حيث قاموا بإنتاج أعمال فنية بالاستعانة بمواد محلية فقط (كالطين، والحجارة والحنا وغيرها..)، كموقف سياسي وطني ضد المستعمر الصهيوني عودة من جديد لتثبيت ملكيتهم التامة وحقهم في أرضهم ومواردها وفنهم بالضرورة